# المُعَلِّمُونَ والمُعَلِّمَات- صمَّامُ الأَمَان، وقُدُوَات الأَجْيَال.
12/ 4/ 1447هـ
إن ذكر فضائل أهل الفضل، والتعريف بهم، وإبراز دورهم، حقيق بالاهتمام، وجدير بالعناية ومن أولئك: وِعاء العلم، وأمان الجهل، ورثة الأنبياء، ومربوا الأجيال، وحماة العقول، وأمناء الأفكار، المعلمُون والمعلِّمات- سددهم الله وحفظهم وآواهم، وبارك في جهودهم، وكتب لهم أجر غراسهم.
والمعُلِّمون والمعلمات أَوَّلُ رَكَائِزِ الْعَمَلِيَّةِ التَّعْلِيمِيَّةِ، فهم القاعدةُ الصَّلْبَة، والحصن المتين، شَرَّفَهُم اللهُ عزَّ وجلَّ بِالْعِلْمِ، فرفع قدرهم، وأعلى مكانهم، وحث على توقيرهم، وإجلالهم، قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) المجادلة: [11] وحقهم أن ينزلهم الناس منازلهم، ويقدروا لهم قدرهم، ويحفظوا مكانتهم، ويحذروا إهانتهم.
وللمعلمين والمعلمات: شأن عظيم، وفضل جليل، فهمْ حماةُ الثغورِ، ومربوا الأجيالِ، وسقاةُ الغرسِ، وعمّارُ المدارسِ، وضياء المجتمعات، المستحقونَ لأجرِ الجهادِ، وشكرِ العبادِ، والثوابِ منَ اللهِ يومَ المعادِ.
ولا يشك عاقل في مقام المعلم، وقدرته، ومكانته، وأهميته في مجتمعه، وأثره على طلابه، فلهم مقام لا يُجارَى، وميدان لا يُبَارَى، وهل ترون أمةً سادت بغير العلم؟ وهل ترون مجتمعًا استقام لسانه، واعتدل سلوكه، وسمت ثقافته، وصفت سريرته، إلا بمعلم ناصح، ومربٍّ صادق؟!
والمعلمون والمعلمات: ينشرونَ العلمَ ويتحملونَ الأذى، ويتكبدونَ المشاقَّ، ويحيونَ القلوبَ ويُفسِحُونَ الآفاقَ، والمعلمُ هو من يشقُّ الطريقَ أمامَ طلابِهِ، يفض أبكار العلوم، ويفتح مغاليق العقول، ويُعَبِّدُ طريق العلم وسبيله، ويأخذ بأيدي الطلاب والطالبات للمعالي، يحبِّبُهم في العلم، ويرغبهم في تحصيله، يبسِّطَهُ لهمْ بسطاً، ويجعلُ بسعةِ بالِه وحصافَتِه، مِنْ هؤلاءِ الطلابِ منابرَ في العلمِ والمعرفةِ، وثروات للبلاد والعباد، وقادة للأمم والأجيال.
وتلك المكانة السامية للمعلم، لم ينلها من فراغ، وإنما لأن مهنةَ التعليمِ مِنَ المهنِ الشاقّةِ والدقيقة، والعصيبة، لا يصلح لها كل متعلم، ولا ينبري لها إلا من عرف قدرها، ورغب في فضلها، وحاز أسبابها وشروطها، فاتسم بالصبر، وتحلى بالحلم، ورغب بالأجر، واكتمل في العلم، وتسلح بالرفق، قال معاويةُ رضيَ اللهُ عَنْهُ: (ما رأيتُ معلمًا كرسولِ اللهِ ﷺ ما كَهَرنِيْ، ولا ضَرَبَنِيْ، ولا شَتَمَنِي) وقال جريرُ بنُ عبدِ اللهِ رضي اللهُ عنه: (مَا حجَبَنِي رَسولُ اللهِ ﷺ مُنذُ أسلَمتُ، ولا رَآني إلّا تبَسَّمَ في وَجهي) أخرجه البخاري (3035) ومسلم (2475).
أيها المعلم الكريم: اجعل الإخلاص قبلتك في عملك، ولا تراعي أحدًا إلا الله عز وجل، واعلم أنك كلما أتقنتَ عملَك، وأديتَ الذي عليكَ كاملاً، وزدتَ في الكمالِ والإحسانِ، حظيت الأجر الوفير، والثناء الحقيقي، والمدح الإلهي، قال ﷺ: (إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ وأَهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتَّى النَّملةَ في جُحرِها وحتَّى الحوتَ ليصلُّونَ على معلِّمِ النَّاسِ الخيرَ) أخرجه الترمذي (٢٦٨٥) وصححه الألباني.
أيها المعلم الكريم: أنتَ في عالمٍ تغيرتْ معطياتُه، وانتشرتْ آفاتُه، وكثرتْ ملهياتُه، وزادتْ أدواتُه، واختلط فيه الحابل بالنابل، والصحيح بالسقيم، والغث بالسمين، فما عادَ الطالبُ بالأمسِ كطالبِ اليومِ، طالبُ الأمسِ كانَ بسيطاً يعتمدُ على القراءةِ والكتابةِ، والأدوات التقليدية في التعليم، كالدفتر والورقة والقلم والكتاب، لم تتفتح عيناه على ما سوى مجتمعه الصغير، وبيئته الضيِّقة، أماَّ طالبُ اليومِ، فقد تفتَّحتْ عيناهُ على بحرٍ هادرٍ منْ وسائلِ التقنيةِ، والبرامجِ والتطبيقاتِ، والمنصات والشاشات، نشأَ وسطَ زخمِ الاتصالات والإنترنت، يجوب العالم بطرف أنملته، يرى الخير والشر، والضار والنافع، فلا تغفل ذلك الأمر، وارفق بتلك اللبنات، وهذه العقول، وأحسن توجيهها، وخاطب طلابك بما يعقلون، وجانسهم بما يحبون، وانتخب من عقولهم الصحيح، واطرد العليل والسقيم، واعلم أنك على ثغر عظيم من ثغور المسلمين، فأحسن حراسته، وأحكم سُدَّتَهُ، وأبشر بالخير، قال ربنا سبحانه: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) الكهف: [30].
أيها المعلمون والمعلمات: تسلحوا بالإخلاص والأناة، والرفق والحلم، ولا تستبطئوا الثمرة، ولا تستعجلوا البذرة، واعلموا أن أعين طلابكم عليكم، تسجل حركاتكم وسكناتكم، وتقتدي بسلوككم وتهتدي بهديكم، فكونوا على قدر المسؤولية، وثقوا أن أثر المعلم في طلابه لا يُمحى، ونتاجه لا يُنسى.
ونحن إلى الآن ما زلنا نتذكَّرُ معلمينا الفضلاءَ وأساتذتَنا الأجلاءَ، الذين حطَّتْ أولى رحالِ العلمِ بينَ أيديهِم، لا زلنا نذكرُهُم، ونخصُّهم بالدعواتِ الصادقةِ، إذا مرَّتْ ذكراهم، أو طرأت سيرتهم، وهذا من أعظم الأثر، وأزكى السيرة.
أيها المعلمُ: تذكر أنه سيذكُرُكَ جيلٌ طالما جلسَ أمامَكَ فكنت لهُ كالغيثِ المنهمرِ، والنهرِ المستمرِ، أودعتَ في قلوبِهم بذرةَ الخيرِ، وسقيتَها بماءِ إخلاصِك وسيرتِك الطيبةِ وخُلقِك الكريمِ، سيذكرونَكَ بالخيرِ، ويدْعونَ لكَ، فلا تتخذ من التعليم عملًا ومهنة، بل اجعلها رسالة تقوم بها، وأثرًا تتركه في المجتمع، وطاعة ترجو أجرها من الله عز وجل يوم القيامة.
أيها المعلم: هؤلاءِ الطلابُ هم أبناؤُنا، وأبناؤُك، فكُنْ سابراً لأغوارِ تفكيرِهم، متأملاً لأسبابِ مشاكِلِهم، فنحنُ في زمنٍ يموجُ بالفتنِ، ويعجُّ بالمحنِ، فكنْ أنتَ صِمامَ الأمانِ للأمّةِ، في صَدِّ كُلِّ أسبابِ التطرفِ والغلوِّ، والضياعِ والانحلال، وابعثْ فيهم حُبَّ الرجولةِ والمروءة، ومكارمِ الأخلاقِ، حبّبهمْ للفضيلةِ، وامقتِ من بين أيديهم الرذيلةَ، عزز انتماءهم لدينهم، وبلادهم، ولغتهم، وولاة أمرهم، وعلمائهم، وازرع فيهم المنهج العقدي الصحيح، والدين القويم.
أيتها المعلمات الفضليات: ازرعن في بناتكن الطالبات، الحياء والفضيلة، والستر والحشمة، والعفة والذوق، وحصنوهن من الأفكار الهدامة، والدعوات الفاسدة، التي تحط من قدرهن، وتنال من كرامتهن وعزتهن، واربطوهن بنماذج صالحة، وقدوات فاعلة، بدءً من الرعيل الأول من أمهات المؤمنين، مرورًا بتاريخ المسلمين الحافل بالنساء اللاتي ضربن أروع الأمثلة في الجمع بين الحياء والحشمة، والتدين والعفة، وبين العلم والثقافة، والتعليم والريادة.
أيُّهَا المعلمُون والمعلمات: نعلمُ أنّ المسؤوليةَ عليكم عظيمةٌ، والأمانة جسيمة، لكنّ الثقة في جهودكم -بعد الله عز وجل- أن تجعلوا من أبنائِنَا منارات إرشادٍ وتوجيهٍ، ورؤىً وتطلُّعَاتٍ تواكبُ قافلةَ الوطنِ، فأيقظوا فيهمْ حُبَّ دينِهم وبلادِهم، ووطنِهم، وولاةِ أمرِهمْ، وعُلمائِهمْ.
أسأل الله عز وجل أن يمدكم بعونه، وتوفيقه، وتأييده، وأن يرزقكم الإخلاص، والقبول، والسداد، وأن يحفظ أبناءنا، وبناتنا، وشبابنا، وفتياتنا، وأن يديم على بلادنا الأمن والأمان، وأن يحفظ ولاة أمرنا، وعلماءنا، وأن يبارك في معلمينا، ومعلماتنا، وأن يرحم من مات منهم برحمته، ويلحقنا به في جنته، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
### عدد الخطب 235